من الطبيعي أن نلاحظ كثيرا من الفرق الغنائية المحلية أو العالمية، تبدع تحف فنية جميلة، تتغنى بالحب والحياة والعلاقات الإنسانية، أو تلحن كلمات إحتفالية بالمناسبات والأعياد، وحب الوطن… بإعتبار أن الغناء والفن، من أساسياته الفرح والنشاط وبث السرور ونشر الطبائع الإحتفالية. حيث أصبح من العادي جدا، أن تشاهد كل هذا، حتى في أوقات مظلمة من الواقع الإجتماعي لأي مجتمع.
ما نفع فنان يغني عن الشبع أمام دشيرة من الجوعى؟
غير أنه وفي الريف، إختارت بعض الفرق الفنية الغنائية من الجيل الجديد، السير في إتجاه مختلف عن هذا الطابع البسيط، وتحميل موسيقاهم “هم قضايا” وإعطائها معنى أكثر، ورسائل إجتماعية كبيرة. فبعكس فناني الأجيال الماضية بالريف، الذين كانت رسائلهم الإجتماعية مبهمة وخفية ما بين السطور، لإعتبارات سياسية أو إجتماعية أو شخصية… إستطاعت موسيقى الجيل الجديد، التكلم بلغة واضحة وبينة لكل من يستمع، مخاطبة جمهورها عن المشاكل الإجتماعية أو السياسية أو التاريخية، التي عانوا أو يعانون منها، بقالب فني ساحر، وبموسيقى إحترافية وآلات مختلفة تدمج بين الفلكلور الأمازيغي الريفي، والأنواع الموسيقية الغربية العالمية.
الجميل في الأمر أن موسيقى الجيل الجديد، لم تقدم إنتاجاتها “الملتزمة بالقضايا الواقعية” بطابع “بكائي” أو حزين، أو بألحان مملة ورتيبة تبث الحسرة والكربة في نفوس مستمعيها – بل على العكس من ذلك تماما، قدمت أغاني جميلة بألحان جميلة، تستشعر فيها حب الحياة بآمال جديدة، بالرغم من كونها تتحدث غالبا على ما يعانيه المجتمع على عدة أصدعة.
بمدينة الحسيمة إختارت فرقة “أكراف باند“ بقيادة رئيسها “ناصر الوعزيزي” جعل نفسها الصوت والوجه الموسيقي والغنائي ل “حراك الريف” إبان الإحتجاجات الإجتماعية التي عرفتها المدينة بين سنتي 2016/2017، حيث أبدعت عدة فيديو كليبات غنائية، صورت واقع الحسيمة كما هو في هذه الفترة بالذات. كما أن لديها عدة إنتاجات لما قبل وبعد هذه الفترة، إستمرت فيها بتقديم موسيقى تحمل رسائل نبيلة، تكشف فيها مشاكل الريفيين، سيما التي تتعلق بالهجرة، البطالة، الحكرة، السياسات الفاشلة، غياب المرافق، شبح السرطان…
“سيفاكس باند“ هي الأخرى أبدعت إنتاجات في هذا الصدد، بالإضافة إلى مواضيع مختلفة، منها أغنية فيديو كليب بعنوان “ثيرلي” (الحرية) لسنة 2017، والذي صدحت فيه حنجرة “طارق فريح” المغني الرئيسي للفرقة، عن الوضع الكائن بالحسيمة في هذه الفترة، وينتظر صدور ألبوم قادم للفرقة، بعد أن كشفت عن ثلاث أغاني فقط وأولهم كانت أغنية “شار” (تراب) الفلكلورية التي تغنت بجمال أراضي الريف.
وصولا إلى فرنسا مرورا بالجزائر، إختار المغني الفرنسي العالمي والجزائري الأصل “سولكينغ“، إستجابة دعوة الواقع الجزائري وموطنه لإبداع أغنية “لاليبغتي“ (الحرية)، التي نسجت خيوط حيثيات “حراك الجزائر“ الذي إنفجر بسبب الأوضاع المزرية الذي يعانيه المواطنون هنالك، والذي أدى في النهاية إلى الإطاحة برئيسها السابق “عبد العزيز بوتفليقة” حيث لا تزال الإحتجاجات مستمرة إلى اليوم.
ريف بريس: أمين أوطاح