شكلت الأسواق الأسبوعية بالريف تاريخيا مجالا للتعاملات الاقتصادية و منتديات اجتماعية سياسية و ثقافية للساكنة؛ فتميزت كل منطقة أو قبيلة بموعد أسبوعي لعرض المنتوجات الفلاحية والمزروعات والماشية و سلعا عديدة مرتبطة بالمعيش اليومي للساكنة .
كما برز في هذه الأسواق النشادون و الفكاهيون و البراحون فاسواق مثل ” اثنين ايث بوعياش”، “ثلاثاء الحسيمة” ؛ “أربعاء ثروكوث” ؛ “خميس ثمسمان” ؛ “سبت امزورن”؛ “واحد الرواضي ،كانت تنبض بالحياة و اللقاءات و النزاعات واعلان الحرب و السلم إلا أن التغيرات السياسية المتعاقبة التي عرفها الريف، و التغيرات الجهوية وتطور أنظمة التكنولوجيا و البنيات الاقتصادية وعلاقات الإنتاج قلص من دور هذه الأسواق ويمكن إجمال هذا التراجع في مايلي :
– الهجرة الكثيفة الداخلية والخارجية التي أخلت بالتوازنات الديموغرافية للساكنة التي غادرت القرى لاعتبارات سياسية / الحرب ضد الاستعمار / السطو على أراضي الفلاحين البسطاء ؛ التغيرات المناخية : الجفاف خاصة، التوسع العمراني و تمدده على حساب المناطق الزراعية كلها عوامل ساهمت في اندثار قرى و مداشر عديدة و تشتت الساكنة .
– تغير علاقات الإنتاج من أشكال تقليدية مرتبطة بنمط الإنتاج الفلاحي و الزراعي إلى أنماط اقتصادية حديثة قلصت من مزاولي مهن تقليدية عديدة و التجارة التبادلية و حلول – العملة كأسلوب للتبادل التجاري، وهذا ما غير من العادات الغذائية و مكوناتها وعجل بهجرة الفلاحين القسرية .
-سياسات الدولة الاقتصادية و توجهاتها العامة التي أقصت القرى والبادية من مشاريع التنمية المستدامة .
– عدم اهتمام الجماعات الترابية التي تقام بها هذه الأسواق إلى تنظيمها وإقامة مرافق لعرض السلع في شروط مناسبة و تعبيد الطرق لهذه الأسواق تجهيزها بالشكل الذي يضمن العملية الاقتصادية في شموليتها .
– خوصصة الأسواق الأسبوعية باثمنة جعلت من العارضين الحلقة الأضعف في التنمية الاقتصادية حيث فرضت أثمنة مرتفعة للأماكن و تعشير السلع جعل العديد من المتعاملين بهذه الأسواق ينفرون منها إلى مهن أخرى أكثر( جذبا ).
إن ربط الاقتصاد الوطني بالأسواق العالمية و عزل العالم القروي عن محيطه المحلي ؛ الجهوي و الحضري ساهم بقوة في اندثار هذه الأسواق وتقلص أدوارها العديدة الزاخرة بالامكانيات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي شكلت صمام أمان للاستقرار النفسي و المادي الآلاف من الساكنة.
و يبدو أن الرهانات السياسوية و الانخراط في مجتمع الاستهلاك السريع وحضور المطامح الغير مشروعة لنخب اقتصادية و حزبية فاسدة قد اضاع على مناطق الريف وساكنته و مصالحها فرص مهمة لتنمية الاقتصاديات المحلية والحفاظ على الاستقرار المادي و المعنوي للمواطنين و ذلك عبر :
– تجهيز الأسواق الأسبوعية و ربطها بمحيطهاالعام ؛ و التوقف عن تحويل هذه الأسواق ألى مركبات تجارية أسمنتية تستحضر المصالح الانتخابية الضيقة و المداخيل الجباءية التي لا تستخلص بشكل شفاف ؛ يفقد معها الفلاح و التاجر الصغير والمهن الأخرى المرتبطة بهذا القطاع اي إمكانية لمزاولة عمله والعيش بكرامة.
– فتح الأسواق الأسبوعية لاحتضان أنشطة ما يطلق عليه بالتجارة الموسمية أو التجارة الجاءلة فهي مصدر رزق لآلاف العائلات و الكف عن المقاربات الأمنية ومطاردة هذه الفئات بالشوارع العامة.
– تدبير هذه الأسواق وفق مقاربة تنموية تستهدف الساكنة لا التوازنات المالية الهشة حيث لا أنه محالة سيساعد ذلك على خفض الأسعار و مواجهة احتكار السلع .
ان إعادة الاعتبار للأسواق الأسبوعية سيساهم بالتأكيد في إعادة الحياة و الأمل إلى مراكز حضرية و قروية بالريف و يدعم الاستقرار في هذه المناطق التي تضررت بشكل بالغ بفعل غياب إمكانيات و موارد الحياة الأساسية.
يبقى أن نشير كذلك إلى ان الريف عرف في سنوات خلت ظاهرة الأسواق النسائية التي كانت حكرا على النساء وتعرض فيها كل حاجياتهن من سلع ومنتجات للمعيشة و الزينة و اللباس كان آخرها : سوق الاثنين بازغار : ايث يوسف وعلي .