لم تندمل بعد جراح حراك الريف ، و ما تلى طحن “محسن فكري ” في حاوية للقمامة، حين محاولة إتلاف بضاعة له من سمك أبو سيف، حدث هز الرأي العام الوطني و الدولي، و كشف حجم الفساد بقطاع الصيد البحري وواقع التسيب و الفوضى العارمة التي يعيشها، وإمعان بعض مكوناته على تكريس نفس الممارسات التي كانت مثار إنتقادات واسعة شعبياً و رسمياً، باعتبار أن هذه المسلكيات تسيء إلى مؤسسات عمومية وصية على القطاع، و توثر سلبا على تطور العجلة الاقتصادية، و الاستقرار الاجتماعي عموما و من تمظهرات هذه الأزمة :
عودة الصيد الممنوع بسواحل الحسيمة .
بعد وفاة محسن فكري و إندلاع حراك الريف عادت قوارب الصيد التقليدي إلى إستعمال الشباك العائمة المنجرفة بسواحل الحسيمة و المستعملة في صيد سمك أبو سيف، دون تدخل لمصالح الوزارة ، رغم أن هذه الأخيرة تبنت منذ أكتوبر 2010 تدابير قانونية و مالية لمنع هذا الشباك لما له من تأثير على البيئة البحرية و الثروة السمكية عموما، و رغم أن تعويضات مالية مهمة صرفت لإتلاف هذا الشباك وتعويض أرباب القوارب و الصيادين ، إلا أن الصيد بهذا النوع من الشباك عاد من جديد ليأتي على ما تبقى من الثروة السمكية .
إن إعتماد أولوية الاستقرار الاجتماعي و الأمني بالقطاع على الأولويات الإستراتيجية التنموية والبيئة يعتبر خياراً فاشلاً بإعتبار انعكاساته الخطيرة على مستقبل القطاع ككل، والغريب أيضا في قضية الصيد الممنوع هو عرض بعض الأسماك الصغيرة الحجم ك”الروجي ” و “البوغا ” و ” الشلال ” للبيع بسوق السمك بالميناء دون تدخل يذكر لمصالح الوزارة ، كما يسجل أيضا في هذا السياق تنامي صيد سمك “الشانكيتي ” وبشكل خطير بأسواق اقليم الحسيمة في غياب أية رقابة .
تهريب السمك.. الافة التي تنخر قطاع الصيد بالحسيمة .
رغم التقارير العديدة للهيئات النقابية و الجمعوية وممثلي البحارة و المهتمين بالبيئة البحرية حول خطورة تهريب السمك وعدم التصريح بالكميات الحقيقية المصطادة ، فإن الظاهرة ما زالت مستشرية بميناء الحسيمة ،أما الموانىء القريبة فلا تخضع لأي الية مراقبة، مصدر جمعوي أكد ل“ريف بريس “ أن هناك إجماع بين لوبي اقتصادي بميناء الحسيمة يستفيد من ظاهرة تهريب السمك و التحايل على القانون ، لوبي جشع لا يفكر الا في مراكمة الاموال حتى ولو كان ذلك على حساب مالية الدولة و المصالح الاجتماعية الملحة للبحارة أكبر المتضررين من الظاهرة حيث لا يصرح بحقوقهم المالية كاملة لدى صندوق الضمان الاجتماعي
هجرة مراكب الصيد .
تعتبر هجرة مراكب الصيد من ميناء الحسيمة إلى موانىء العرائش و الجبهة والقنيطرة إحدى أوجه أزمة قطاع الصيد بالحسيمة ، حيث يعرف ميناءها تقلصا كبيرا في الرواج الاقتصادي و يعمق من الأزمات الاجتماعية و الاقتصادية المتأزمة أصلا ، فلا جانب تفاقم المشاكل العائلية للبحارة و تفاقم الديون، يعيش البحارة لا استقرارا نفسيا و معيشيا موسفا فهم يتكدسون بالنوم في المراكب و شبكات الصيد أو بغرف لا صحية بينما يتم تخصيص شققا للايجار لفائدة رؤساء المراكب ، يقول أحد البحارة من العاملين بالقنيطرة ” البحري هو أضعف حلقة في المعادلة الكبرى لقطاع الصيد هو محور العملية الانتاجية و لكنه بالمقابل أخر من تطرح انشغالاته بالقطاع .
إنتعاش في تجارة الأسماك المستوردة و انحصار في أثمنة الأسماك المصطادة محليا .
إعتبارا للأزمة الملحوظة التي تعرفها القدرة الشرائية للمواطنين، بات هناك إقبال على الأسماك المستوردة من الموانىء القريبة من الحسيمة التي تعرض بأثمان معقولة استحسنها المستهلك المحلي، مهتمين بالقطاع يشيرون إلى صراع تجاري خفي بين أرباب من مراكب الصيد بالحسيمة وتجار محليين حول المحافظة على سقف بيع أثمان الاسماك، مما خلق نوعا من التمايز بين تجار السمك بين من يفضل عرض الاسماك المصطادة بالحسيمة و باثمان تعتبرها الساكنة مرتفعة و تجار أخرين يلتجؤن الى إستيراد الأسماك و عرضها بأثمان معقولة وكل من طرفي التجار يعرض وجهات رأي وطروحات تعزز مصالحه التجارية و اولوياته ، ويبقى المستهلك المحلي أكبر مستفيد من إنخفاض ثمن الأسماك.
تباين في تمثيليات مكونات القطاع .
تتشبث القطاعات النقابية و الجمعوية وممثلي البحارة و أرباب المراكب في الغرف كل بمنطلقاته و مقارباته لحل اشكاليات القطاع المتشعبة، و ليس هناك توافق على حلحلة واقع الأزمة باعتبار أن شعار “أنا ثم من بعدي الطوفان ” يبقى المؤطر لتقديره لحل وضعية القطاع ، و غالبا ما تكون الاصطفافات و التموقعات و المبادرات تمليها المصالح الظرفية / الشخصية أو الاملاءات من جهات ما فرض عليها معالجة قضايا القطاع الحساسة .
وزارة غائبة تفتقد للرؤية التنموية الاستراتيجية .
رغم الزيارات العديدة و المتعددة للوزير أخنوش إلى الحسيمة والتي فرضها ثقل ملف حراك الريف، و حجم الفساد و الإفساد الذي يعرفه القطاع ،إلا أن مبادراته موجهة للإستهلاك الإعلامي المؤطرة برؤية أمنية واضحة، تفتقد للعمق الاستراتيجي و التدبير الإداري الواضح لمصالحه الإدارية الوصية على القطاع، فواقع القطاع محليا ينذر بكارثة إقتصادية تبدو صعبة للغاية و باتت ترخي بضلالها بوضوح على المشهد العام بالحسيمة فالقطاع رغم حيويته والرهانات الكبيرة المعقودة عليه بات يجتر التعثرات العديدة التي أثرنا بعضها في هذا الروبورتاج .
فسمك ” النيكرو ” و انعكاساته على العملية الإنتاجية و الاستقرار الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية هي أولويات بالقطاع تستدعي نقاشا مؤسساتيا عميقا، اذا حصلت القناعة فعلا بضرورة الارتقاء بالقطاع ومواجهة التنافسية والتحديات الكبرى لربح رهان التنمية الحقيقية .