إلى جانب الروايات الشفهية التاريخية المتعارف عليها والغير معروفة في الريف، بالإضافة إلى الفلكلور المثولوجي الشعبي، الذي يؤرخ لعهود الأساطير والفانتازيا الريفية الجميلة، خلق الريفيون – هذا الشعب الأمي والغير متعلم، ومنذ فجر التاريخ “تنينا أدبيا خارقا“، تشكل بسرعة حتى أضحى يغطي بجناحيه الكبيرين كامل السماء، بسبب حجم الغنى والتنوع الذي زخر به هذا “التراث الأدبي المروي” الذي لن نبالغ إن قلنا أنه ينافس بثقله كبار الروائيين المثقفين البريطانيين من أمثال “لويس كارول ” و “جون رونالد تولكين“. حيث كانت مغامرات “حمو لحرايمي وجيدا ثامزا” وكذلك قصص “نونجا” بمثابتة روايات “أليس في بلاد العجائب” عند كارول. كما أن حكايات “الملوك الذين إلتهمتهم الليالي” بالريف تكاد “توازي روايات “إله الخواتم” أو “الهوبيت” لتولكين في مدى ملحميتها رغم بساطتها المعهودة وبراءة الريفيين في محاولة تذكر حبكاتها لكي يسردوها على أطفالهم.
صحيح أن “ثينفاس” (أي القصص أو الحكايات باللغة الريفية)، إنتشرت منذ القديم، وحتى قبل التاريخ، بإعتبارها في الأخير، موروثا مميزا يجمع شعوب شمال إفريقيا، وكذلك معظم شعوب العالم – إلا أنه وفي الريف إنسجمت ذروة “ثينفاس” وتشعبت مروياتها في فترات جد مظلمة من التاريخ الريفي، في أزمنة لم تختلف فيها حكايات ثينفاس عن الواقع إلا في جزئيات قليلة… فقد ساهمت فترات المجاعة التي ضربت الريف ثلاثة عهود وعلى إمتداد القرنين الماضيين، في تشكل ملاحم ثينفاس “الأدبية” المعقدة كما وصلتنا بعض منها حكاياها اليوم.
لقد كان الريفيون أثناء هذه الفترات المظلمة من حياتهم، يعانون الويلات بسبب ما نسميه محليا ب “عام نجوع” (تستطيعون العودة إلى مقالين على الموقع لقراءة المزيد حول هذه الفترة) فلم يكن لهم أي حل آخر سوى اللجوء إلى ثينفاس، وإسترجال حبكات طويلة، معقدة وملحمية، من أجل إلهاء أطفالهم في ليالي البرد القارس، عن الإنتباه إلى أصوات معداتهم الهزيلة والفارغة، الذي يذكرهم دائما بتأخر موعد إستواء العشاء،، العشاء الذي أوهمتهم أمهاتهم بكون الأحجار التي تغلي داخل القدر مع الماء هو طعام سينضج قريبا، فقد دأب الريفيون على هذا الفعل كثيرا في ظل هذه الفترات المأساوية، فمرة يكون الطعام – أو لنقل “الطعم” أحجارا، وأحيانا رملا، وفي أحيان أخرى محظوظة، يتوفر فيها نبات “قرنوش” (الصرين المغربي) المنقب عنه، فيتم طحنه جيدا لإعداد الخبز أو الفطائر المرة بواسطة طحينها المنتج عبر هذه الطريقة.
حينما إجتاز الريفيون هذه السنوات الصعبة من حياتهم وإزدهروا من جديد، حورت قصص “ثينفاس” عن مهامها في كونها وسيلة إلهاء للأطفال في ظل المجاعة، إلى نمط عيش زين حياة الريفيين، فتطورت أكثر وأصبحت وسيلة للترفيه أو لتذكر الماضي وأخذ العبر والحكم منه، لأنه وكما هو معلوم، فإن قصص ثينفاس معروفة بالعبرة والحكم الوجودية المثمرة، لدرجة أن كثيرا من الأهالي وجدوها أسلوبا مقنعا وفعالا للتربية، لتوجيه الأطفال ومنعهم أن إقتراف الأفعال السلبية أو الخطيرة، حيث يمكن لنا أن وإلى حدود اليوم، آباء يخيفون أطفالهم بوحوش الظلام وعلى رأسهم “ثامزا” التي ستجيء لتختطفهم إذا ما إبتعدوا عن المنزل، أو إقتربوا إلى أماكن خطيرة كالمرتفعات أو الآبار العميقة.
ريف بريس: أمين أوطاح