هناك بمدريد العاصمة، على بعد 30 كيلومترا بالشمال الغربي وتحت سفح سلسلة جبال “غوادارما” تقع بلدة “كولمينار بييخو” الهادئة. هذه البلدة التي إحتضنت منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، عددا مهما من ريفيي الحسيمة، الذين تقاطروا عليها كالسيل في وقت جد قياسي.
لقد بدأ الأمر حينما شرع ريفيوا الحسيمة، في شراء عقود العمل بإسبانيا، في وقت كانت فيه الدولة الإسبانية في أمس الحاجة إلى اليد العاملة. حيث إنطلق عدد مهم من الحرفيين للإشتغال في أعمال البناء، وتوزع آخرون في مجالي الفلاحة والصيد البحري، أو تقديم أعمال أخرى… وإنتقل غالبية المهاجرين إلى مدريد، بغير البحارة، الذين توزعوا على سواحل إسبانيا وصولا إلى جزر الكناري.
إختار هؤلاء المهاجرون بلدة “كولمينار بييخو” للإستقرار بها كعمال، يتشاركون في إكتراء منازل للسكن، بحكم عملهم المشترك. وبعد تسوية وضعية إقامتهم بشكل قانوني، إستقل هؤلاء العمال في سكنهم عن بعضهم البعض، وقاموا بإلحاق أسرهم بإسبانيا عبر سياسة “التجمع العائلي”، التي تكفلها الدولة لكل مقيم بأراضيها، عبر شروط قانونية موضوعية.
كثير من هؤلاء المهاجرين إستطاعوا الحصول على “الجنسية الإسبانية”، الشيء الذي ساعدهم كثيرا في تحسين ظروف عيشهم وتطوير دخلهم، ومساعدة عائلاتهم… حيث أسس البعض منهم مشاريع خاصة، في شكل محلات تجارية، مجازر، مخابز، مكتبات لبيع الكتب، ومقاهي لعل أشهرها “مقهى الحسيمة” التي تجتمع فيها ساكنة عدة أحياء من الحسيمة كأفزار، مرموشة، ميراذور، سيدي عابد وباريو… في جو من الألفة، لا يختلف في شيء عن أجواء مقاهي الحسيمة، محاربين وحش الغربة والبعد عن الوطن والأهل! فيمكن أن نقول بأن “كولمينار” أقل الأماكن التي قد يشعر فيها الريفيون بوطأة الغربة، لأنها أصبحت بحق مستعمرة حسيمة قائمة، تتوفر على كل الشروط الموضوعية لمدينة الحسيمة، بدء بالعامل البشري، التجمعات، المشاريع… وصولا إلى المنتوجات الإستهلاكية، حيث تصنع وتباع بكولمينار حتى “ثاكنيفث” (خبز المقلاة الريفي)!!
الهجرة إلى “كولمينار بييخو” لم تتوقف إلى حدود اللحظة، فبحكم التكتل البشري الكائن، أصبح كل حسيمي يعبر المتوسط بواسطة تأشيرة الفيزا، أو عبر قوارب الموت/الحياة، يلجأ إلى كولمينار للإستقرار بها.
وحتى العابرين منهم إلى دول أوروبية أخرى، لابد لهم من المرور بكولمينار أولا، لقضاء بعض الوقت برفقة الأهل والأصدقاء، أو لغرض الإستراحة من عناء السفر. فكل من يجيء من أوروبا إلى الحسيمة أو العكس، عليه أن يتوقف ب “كولمينار بييخو” المحطة الحسيمية.
مقالات ريف بريس.