الأربعاء 18 سبتمبر 2024
الرئيسيةمنوعاتلماذا تصر هولندا عن المطالبة بإطلاق سراح معتقلي “حراك الريف” ؟

لماذا تصر هولندا عن المطالبة بإطلاق سراح معتقلي “حراك الريف” ؟

في تقريرها السنوي الأخير الصادر في 17 فبراير/ شباط 2020، صنفت منظمة العفو الدولية “أمنيستي” معتقلي “حراك الريف” بالمغرب ضمن معتقلي الرأي، مؤكدة أن الرباط مطالبة بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين.
 
وقالت المنظمة الدولية: إن “المعتقلين أدينوا استنادا إلى أدلة انتزعت تحت وطأة التعذيب، أو غيره من ضروب المعاملة السيئة، كما لجأت سلطات السجون إلى معاقبة السجناء، الذين نظموا احتجاجات بحبسهم انفراديا، وبفرض قيود على زيارات الأهل لهم”.
واتهمت “أمنيستي” السلطات المغربية بالتقاعس عن إجراء تحقيقات كافية في ادعاءات التعذيب، ما أدى إلى “محاكمات جائرة”.
المنظمة ليست الطرف الدولي الوحيد في ملف معتقلي الريف، بل إن البرلمان الهولندي دخل على الخط أيضا، استجابة لناشطين حقوقيين واجتماعيين من منطقة الريف (شمال المملكة) ناشدوا هولندا للضغط على المغرب من الخارج .
وفد من برلمان هولندا أجرى زيارات لعائلات معتقلي الريف، وعرض تقريره على وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك، لبحث سبل المساهمة في الإفراج عنهم، فلماذا اختار النشطاء هولندا دون غيرها من الدول الأوروبية؟ وكيف جاء رد فعل السلطات المغربية على الخطوة؟.

ضغط الخارج

في يناير/ كانون الثاني 2020، زار وفد من البرلمان الهولندي المغرب برئاسة رئيسة الحزب الاشتراكي، ليليان مراينيسن، والبرلمانية عن الحزب نفسه سادات كارابولوت.
الوفد البرلماني أدرج زيارته إلى مدينة الحسيمة – مركز الحراك – ضمن برنامج الزيارات الخارجية، وجعل في مقدمة العائلات التي التقاها، أحمد الزفزافي، والد أيقونة الحراك ناصر الزفزافي.
وفي التقرير الذي تلقاه وزير الخارجية الهولندي، قالت البرلمانيتان الهولنديتان: إن “مرض السرطان متفش بكثرة في المنطقة، وهو أحد أسباب السخط”، وسجل أن “ردود فعل السلطة حول الحراك لم تكن بالشكل الكافي”.
الوفد أكد أن “أغلب شباب المنطقة باتوا يفضلون الهجرة نحو الديار الأوروبية لضمان أفق أفضل”، وزاد: “بعض المحكوم عليهم بالسجن يقضون عقوبتهم في ظروف سيئة”.
وشدد التقرير على أن “هولندا عليها التحرك بواسطة أحزابها وبرلمانها من أجل إطلاق سراح المعتقلين، وكذا متابعة مصير جميع أموال الاتحاد الأوروبي التي يتم إرسالها إلى منطقة الريف”، مستعرضا مسارات تشكل الاحتجاجات بالحسيمة، وأسبابها، بداية بمقتل بائع السمك محسن فكري.
 

لماذا هولندا؟

في سنة 1960 لم يكن في هولندا سوى 3 مغاربة يحملون تصريحا بالإقامة، وبعد 50 سنة سجلت الإحصاءات الرسمية وجود أكثر من 400 ألف مغربي في هولندا يحملون جنسية البلد أغلبهم من الريف.
 
تحول الحضور المغربي في هولندا من يد عاملة ساهمت في بناء الاقتصاد الهولندي وفي تحقيق الرخاء الاقتصادي، إلى مكون أساسي يساهم في كافة مناحي الحياة، أبرزها السياسية.
 
في عام 2019 مكنت أصوات الريفيين المرشحة كاتي بيري، في حزب العمل، من البرلمان الأوروبي لولاية أخرى، بعدما قدمته في ملف “معتقلي الريف”.
 
على حساب الليبراليين والشعبويين ارتفعت أسهم حزب العمل في الانتخابات، وتمكن من حصد 5 مقاعد في البرلمان القاري من أصل 26 متاحة لهولندا.
 
مصادر صحفية رأت في المقاعد الخمسة ما ينذر باستمرار حضور ملف “حراك الريف” داخل المؤسسات الأوروبية، ومعه الصدام الحاصل على المستوى الدبلوماسي بين الخارجيتين الهولندية والمغربية.
 
نجاح مغاربة هولندا، في إيصال صوت الجالية إلى الاتحاد الأوروبي وممارسة الضغط من الخارج جعل الريفيين في بلجيكا وإسبانيا ودول أخرى يسلكون الطريق نفسه.
 
وتدعم الجالية المغربية ملف المعتقلين بشكل كبير عبر مسيرات ووقفات احتجاجية بأوروبا، ينظمها فريق يتكلف بالمهمة على المستوى الأوروبي، يدرك أهمية تدويل القضية.
 
ما يحرك هولندا سياسيا ودبلوماسيا هو جزء من مواطنيها الذين يتظاهرون ويوقعون العرائض، ويضغطون بوسائل ديمقراطية، وفيما يرى المغرب في هذه التحركات السياسية التي يقوم بها بعض معتنقي فكرة الجمهورية ويتحرك للجمهورية، تنقل هولندا مطالب مواطنيها إلى البرلمان والحكومة والدبلوماسية.
 
الكاتب والصحفي المتخصص في الشأن السياسي، يونس مسكين، رأى أن “المشكلة الحقيقية بين المغرب وهولندا تكمن في أنهما لا يتحدثان اللغة نفسها، إذ لن تسكت هولندا مواطنيها أو تتجاهلهم عبر اعتقال المئات من الشبان لكي يكفوا عن التظاهر والتحرك ضد السلطات المغربية”.
 
واعتبر في مقال له أن الحل الوحيد هو “أن يمارس الريفيون حرياتهم ويطالبون بحقوقهم بأدوات الديمقراطية، ويجدون من ينصت ويستجيب لهم”.
 
العلاقات المغربية الهولندية ظلت منحصرة في حدود المصالح التجارية، لكنها عرفت منعطفا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما كانت المناجم الهولندية في حاجة ماسة إلى العمال.
 
وبعد انتقال عشرات المغاربة من فرنسا وبلجيكا، قررت هولندا استقدام جل حاجياتها من العمال من المغرب، حيث وقعت اتفاقية معه، وفتحت مكاتب لها لتسجيل الراغبين في الهجرة نحوها.

امتعاض حكومي

الحكومة المغربية رفضت بشدة التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لبلادها، الناطق باسم الحكومة، الحسن عبيابة، قال في تصريح صحفي: “نرفض بشكل قاطع التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب من أي جهة كانت”.
 
وأضاف: “نحن دولة ذات سيادة، ولا نقبل من أي جهة كانت أن تأتي للمغرب لتنجز تقارير حول قضايا داخلية بهدف الضغط علينا”.
 
ويعتبر المغرب “حراك الريف” مشكلا داخليا وما يقوم به البرلمان الهولندي تعقيدا وعرقلة للحل المنشود، واصفا تقرير الخارجية الهولندية بشأن ظروف المعتقلين بأنه “مليء بالمغالطات وبالمعطيات غير الصحيحة، التي لا تحظى بالمصداقية”.
فيما رصد التقرير ظروف المعتقلين في السجن، وقال: إنها “سيئة”، حيث أورد أن السلطات المغربية قامت بتوقيف أكثر من 800 شخص على خلفية الاحتجاجات في المنطقة، مشيرة إلى أنه أدين منهم أكثر من 400، وحكمت محكمة الدار البيضاء في يونيو/حزيران الماضي على 53 من النشطاء بالسجن لمدد تتراوح بين سنة واحدة و20 سنة.
 
ليست هذه هي المرة الأولى التي تعلق فيها هولندا على قضية معتقلي الريف، حيث سبق أن اعتبر وزير الخارجية الهولندي في حزيران/ يونيو 2018، العقوبات التي قضت بها المحكمة في حق المعتقلين “مرتفعة”.
 
وفي السنة نفسها استدعى المغرب سفيرة المملكة الهولندية في الرباط لإبلاغها بامتعاضه من تدخل بلدها في شؤونه الداخلية.

سلسلة أزمات

ليست هذه أيضا هي الأزمة الأولى بين البلدين، ففي عام 2018 ألغى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، ناصر بوريطة، لقاء كان ينتظر أن يجمعه مع وزير الخارجية الهولندي ستيف بلوك، على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، بسبب انتقاد بلوك للمغرب على خلفية الأحكام الصادرة في حق معتقلي “حراك الريف”.
 
بلوك أشعل فتيل أزمة دبلوماسية خانقة بين المغرب وهولندا، حينما وصف الأحكام الصادرة في حق معتقلي حراك الريف بالأحكام “العالية”، عندما قدم تقريرا حول حراك الريف أمام لجنة الخارجية برلمان بلاده، ورد بوريطة بلهجة شديدة على بلوك قائلا: “المغرب لا ينتظر دروسا من أحد”.
 
وفي 2019 رفض المغرب استقبال وزير الدولة للأمن والعدالة في مجلس الوزراء الهولندي، آنكي بروكرز، ما أثار غضب النواب البرلمانيين في بلادها، وفيما رأى بعضهم في رد المغرب إساءة، طالب آخرون الدولة باتخاذ إجراءات.

ريف بريس : الاستقلال

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة