بقلم : علاء الشمس
في مثل هذا اليوم منذ 5 سنوات مضت، عرفت مدينة الحسيمة احتجاجات شعبية ذات نفَس اصلاحي، تنادي بما يسمى ب “مطالب اقتصادية واجتماعية وثقافية”، تم على اثرها اعتقال ما يناهز الألف شخص من ربوع منطقة الريف من مختلف الحساسيات والأعمار والفئات الاجتماعية.
كان “حراك الريف المقدس المبارك” حسب تعبير المحتجين، و”أحداث الحسيمة” حسب السلطات، فرصة ضرورية لمسائلة السياسات العمومية في الريف خلال مغرب ما بعد “الاستقلال”، وهي نفس الأسئلة التي جرى طرحها سنوات 58/59 لكن لا مجيب، وقد فطن “المخزن” مبكرا إلى أن المطالب المعبر عنها ليست إلا مطالب سياسية محضة وليست لا اقتصادية ولا اجتماعية ولا ثقافية، لانها تسائله حول جوهر المنهجية التنموية التي يروم اعتمادها اهل الرباط في اقصى الشمال وهو ما يزعج مسلمي الرباط بشدة، فكيف يدلو اهل الريف برأيهم حول تنمية منطقتهم؟ ألا يستحون؟ ألم يتعضوا بسنوات 58/59؟
بالعودة الى الملف المطلبي، يجب في نظري عدم انتقاد انبياء “الحراك المقدس المبارك” او التعرض لشخوصهم، فقد قدموا الكثير من الوقت والجهد لرؤية المنطقة في افضل حال كل حسب فهمه واستطاعته البسيطين، حتى وإن أخطاؤا، فهم ليسوا إلا مناضلين، قد خلا قبلهم المناضلون.
لكن بالمقابل، يجوز انتقاد كتابهم السماوي المسمى ب “الملف المطلبي” ومسائلة العقلاني والعجائبي فيه، وقد قمت بذلك في حينه يوم كانوا طلقاء بيننا ودار بيني وبينهم نقاش مستفيض حول الموضوع، لهذا حرصا منا على الأجيال القادمة، فلا بأس من تذكير العامة بمطبات هذا الملف المقدس المبارك والذي لم يُمنح الوقت الكافي للتمحيص من قبل مريدي الزاوية “الحراكية”.
أولا : ظهير العسكرة!
لا يعني التواجد الكثيف لقوات الأمن في المنطقة فهؤلاء حتى لو كانوا من حملة السلاح فهم في نهاية المطاف مدنيون تحت اشراف وزير الداخلية ولا يخضعون للاحكام العسكرية ولا يُحاكمون امام المحاكم العسكرية.
ظهير العسكرة هو ظهير تم بمقتضاه تفويت أراضي ومنشآت، وثكنات في ملكية الجيش الاسباني المحتل إلى ملكية القوات المسلحة المغربية، وهو ظهير إجرائي “ترث” بمقتضاه المؤسسة المذكورة كل ما تركه الجيش الاسباني من أملاك، ولا علاقة للاستثمار في المنطقة بهذا الظهير (قد اتطرق الى ذلك في منشور مستقل).
ثانيا : الدولة لا تبني مصانع!
هذا المطلب يتعارض في جوهره مع جوهر الحراك، فمطالبة الدولة/المخزن برفع اليد عن ثروات المنطقة يتعارض مع مطالبة الدولة بانشاء مصانع ووحدات صناعية في نفس الوقت. والحال ان المطالبين بالاستثمار هم ابناء المنطقة أنفسهم.
فالحسيمة من اعلى المدن على مستوى المغرب من حيث نسب الادخار حسب ارقام المندوبية السامية للتخطيط، ماذا يعني هذا؟ يعني ان أبناء المنطقة يفضلون تخزين اموالهم في الأبناك عوض استثمارها فيما يعود بالنفع على ابناء المنطقة، كما ان المشاريع الاستثمارية في الريف هزيلة، ومعظمها لا يتعدى الاستثمار في القطاع السياحي الذي يخلق مناصب الشغل غير المباشرة اكثر مما يخلق مناصب شغل مباشرة.
صحيح ان الدولة يجب أن توفر حواضن تحتية لتشجيع الاستثمار، كالبنية التحتية الاساسية والطرق والموانئ والمطارات وغيرها، لكن المُطالب بالاستثمار هم الخواص فعليا، ولا علاقة للأمر بالعسكرة.
ثالثا : جعل الابناك تستثمر في الريف!
الابناك في المغرب حسب القانون البنكي المغربي هي مؤسسات للائتمان والاقتراض، وليست مؤسسات استثمارية، بمعنى أن القانون يمنع الاستثمار على البنوك، بسبب ان النموذج الاقتصادي المغربي ضعيف، بحيث لا يمكن ان تكون فيه الابناك استثمارية صرفة، صحيح هناك صناديق استثمارية تابعة للابناك، لكنها تبقى مؤسسات خاصة لا يمكن لبضع اشخاص يحتجون في الشارع ارغامها على الاستثمار او عدم الاستثمار في اي شيء.
كما ان المطالبة بجعل الابناك مؤسسات جهوية قسرا، ليس من الحرية التي ننادي بها في شيء وأهمها الحرية الاقتصادية، اذا اعتبرنا مرة اخرى انها مؤسسات خاصة في ملك الخواص، ثم ما نوع الرسائل التي نريد بعثها للمستثمر الأجنبي عندما ندعو إلى مأسسة مؤسسات اقتصادية خاصة وارغامها على العمل من اجل المصلحة العامة؟
كان هذا “بعضا” من مؤاخذاتي المتواضعة البئيسة على هذا الملف الذي دفع اخواننا ثمنه من حياتهم ووقتهم وحريتهم دون أدنى عائد يُذكر، ولا بأس من تذكير مريدي الزاوية “الحراكية” بمناسبة الذكرى الخامسة للاعتقالات، بالتوقف عن التبجيل الصوفي الفارغ للحدث والاستمناء عليه، والتفكير في المستقبل بكل تجرد وموضوعية، من اجل الاجيال القادمة.